بشأن قلبك المنكسر

·

·

للكاتبة : ريتا صابر

عرفنا جميعنا بشأن قلبك المنكسر، كان الأمر صادماً بالفعل، عرفنا ووضعنا أيدينا على أفواهنا من هول ما عرفناه، لكن لم يتمكن من إخبارك أحد، خفنا عليك، لا، خفنا على أنفسنا من العدوى، أنا كنت أول من إنتبه للدوي العالي، والفرقعة، شيءٌ أقوى مما يمكنني تجاهله، لم أغطي فمي، غطيت معدتي قبل أُذنيّ، وتسمّرت في مكاني واجمة، بينما ركض الجميع تجاه الصوت، تجاهك. أنا لم أر قلباً مكسوراً في حياتي، لكن أعرف بالحدس أني سأستطيع تمييز الحلو عن الأحلى، أو الحزين عن القاتم، وخطوتك أوسع من خطوتي، ما رأيك؟! قبلها هاتفتني أُمك، راجفة، وأكدت لي الأمر، بدا العالم حول صوتها مهتزاً، شرحتْ في كلمات محددة حقيقة الوضع، وما هو على وشك التصدع، قلت لا بأس لا زلنا هناك، والشمس ساطعة، سنحاول التدارك، لكن السماء أمطرت بشدة، وبكينا كلنا، نشيجنا كان عالٍ.. ومُرّ، لكنه مفهوم، أنا أيضاً بكيت معهم، على أية حال، رغم أني وحدي من ملكت البصيرة، غير أنني ضغطتها داخل يدي، قبضت عليها حتى سالت بين أصابعي، وبكيت، يمكنني الإدعاء وتبرير نفسي الآن، بما أن القصة صارت تُروَى بصيغة الماضي، يمكنني تبرير نفسي، لقد ذرفنا على قلبك الدمع، هذا ما استطعنا فعله. هذا ما قصدناه بالتدارك. وحدي أنا من شهدت بداية النزف، رأيت جلستك الهادئة وسط الصخب، كان في رأسك غراب يتكلم، ثم طار، ثم إنشق صدرك لتطير الأغاني أولاً، الوساوس طارت، وحلم مقصوص من أحد أطرافه، الخوف أيضاً طار مُزيِّلاً اليقين، والذكريات الواحدة تلو الأخرى، تتدفق على ملابسك، ولا تطير، فالذكريات لا تطير، تسيل وتتدفق، وتتخثر على الأقمشة التي نفضلها بالذات، تصبح جزءاً من الoutfit, فنكره أن نغسلها، إلا حين يطير الكلام، لكن كلمة واحدة لم تخرج من أحشائك، لأن قطعة حزن صغيرة سدّت قلبك وأنا رأيتها، وبدا لي أن الأمر قد إنتهى أخيراً، تمنيت لو أركض نحوك وأعانقك، هكذا ببساطة أعيد كل شيء إلى ما كان عليه، أرصّ عظام الأضلاع بالترتيب، وأملّس اللحم فوقها، أنزع الذكرى عن قميصك مثلما تُنزع الديباجة، وأنفضها، أعانقك مطولاً وأقول أن هذا عناق بلا مسوِّغ، إلا أن ما سدّ قلبك من حزن، حالما إندفع خارجاً، وسال معه كل شيء مرة واحدة، سِلت أنت. أجد هذا غريباً، كيف يجلس الرجل تحت سماءٍ واسعة، يحده الصفاء والأُنس، ثم ينكسر قلبه؟ كيف كيف؟ انا لم أختبر هذا من قبل، أعني، كم مرة في الإسبوع يقابلك شخص ليمضي الوقت برفقتك، ثم ينكسر قلبه وتحلق من جوفه أشياء وتسيل أخرى، وحولك جمع من الناس لا فكرة لديهم عمّا يحدث.؟ على الهاتف أخبرتني أُمك بعسر ولادتك، وأظنها قالت عسر الهضم أيضاً، لم أنطق بكلمة، لكن حين قالت عُسر الكلام كان جسدُك يتأتيء ويرتعد، قالت إتركوه حزيناً ليبقى حي، إن تكلم ستزول سدادة الحزن، والقلب سيسيل. وإنقطع الإتصال بسكين. هل يُشبه الأمر رعاية عُشبة ليمون صغيرة ورؤيتها تزهر بعد عمر طويل؟ فكرتُ، أنا أعرف قلبك منذ أن كان مرسوماً على الورق ويشقه السهم بحرفين لا يشملان إسمي، نعم لم أرعاه، لكن كنت أترقب إزهارك، وترقبتُ الكارثة، إزهارك كارثي ومفاجيء، ويخصني أنا بالذات، إنها مُقدمة خلابة، ولادة غير متعسرة، وقلتُ أن الوقت مناسب لتسميه ما يحدث بإسم آخر. ماء ودمع ودم ينضح عن قلبك؟ هذه بداية سائلة للغاية، أيعقل أن تأتي الحياة الثانية منزوعة الصلابة؟ حسناً كانت الأمنية أن يحدث ذلك فعلاً، لكن بشكل مجازي. أن نفتح أعيننا على كون جديد لا نعاني فيه قسوة أو خيبات غير مُفسرة، أو حزن يمنعنا الكلام ويحفظ ثقلنا. تمنينا خفة، يطيرُ عندها الحزن ويبقى الكلام. ما يحدث الآن شيءٌ فج، إلا أن قلبك كسر للتو، بفجاجة أيضاً، ولستَ بمُلام حيال عدم معرفتك، الأصدقاء كذلك، يا لتعاستهم، يواصلون البكاء عليك الآن دون أن يروا الإبر تُخيط فمك. ولا يعرف أحد كيف لا يعود الكلام بالكلام؟ أعني لماذا؟ أنا إن لم أضمن أن كل ما أقوله يذهب إلى مكان محدد ليجلس فيه، سافكر فيه مجدداً، سأفكر في وضعية جلوسه قبل نطقه، ليعود لي على شكل كلام أيضاً، كلام مناسب، لا يُفيد معناه ولن يهم، يهمني أن تملأ فجوة الكلمة الخارجة كلمة أخرى، لا بإنفعال مُرجأ، ولا حِس مكتوم، كلمة فقط، سُدادات موضوعية لا تقتلني إن حزنت، سُدادات عادية، تمنع قلبي عن الشاعرية، عن الإنجراف كقش يدفعه سيل. إذاً، على الكلام أن يعود بالكلام فقط، حتى وإن أوصت أُمك بتكميمك، وصايا الأمهات حالمة، أو عملية بما لا يمكننا تحمله. قل كلمة واحدة، وسأسمعك، فيَديّ على معدتي لا أُذني، قلها وسأعيدها لك مكانها حالما أفهمها، على الكلام أن يعود لا أن يطير، كيف تطأ على كلمة سقطت من أحد على الطريق؟ إن إلتصقت بحذائك سيذداد وزن قلبك، سيعلم الجميع بشأنه، وهذا خطير، عليك أن تنادي صاحب الكلمة، توقفه، وترد له ما سقط منه، على الكلام أن يعود كسدادة تمنع قلبك أن يسيل حين ينقسم، أو يحطمه الحزن. لا ضامن على الألم، ولا حتى الأصدقاء، ألم ترى؟ أنت لفظت كلمة أنا فقط من سمعها، طارت النجوم عنك آخيراً وإنشقت الأرض، تصدعت مُحدثة حفرة عميقة، ولم ينتبه أحد أيضاً، الكل كانوا منهمكين في سبيل إعادتك للحياة، كنت انا من عايَن الحفرة بتفحص، قست أبعادها، درجة حرارتها، ومستوى قتامة التربة ورطوبتها، كان كل شيء مناسباً، ومعد لك خصيصاً ولكلمتك، فكرت: هنا سيسقط قلبك ويغوص في الوحل.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *