النيل الاصفر (وادي هور – حالياً) كان اسم لنهر توقف عن الجريان ، قبل ما بين 8000 إلى 1000 سنة قبل الميلاد كان وادي هور نهرًا جاريًا، وبعض الدراسات ترجح استمراره حتى 3000 ق.م. كان ينبع من مرتفعات إنيدي في تشاد، مارًا بأودية ضخمة مثل وادي الطينة وكرنوي، نهر ينبع من الغرب ويشق طريقه شمال شرقًا عبر الصحراء، ليصب في نهر النيل عند “الانحناءة العظيمة” قرب مدينة الدبة في شمال السودان. وقد ساهمت هذه المياه التي تدفقت لمئات السنين في تكوين الحوض النوبي، أحد أكبر خزانات المياه الجوفية في العالم، كان السكان يتمركزون جنوب اسوان ولم يكن هناك سكان شمال اسوان نسبه لبروده الطقس كما ان النيل لم يأخذ شكله الحالي بعد في غابر الازمان الان المصادر العلميه والابحاث التي تجري الان كلها تشير الي ان الانسان الاول كان في منطقه جنوب اسوان ومايعرف باالسودان اليوم وان منطقه الشلال الرابع شهدت ميلاد اول وجود للانسان (150الف سنه والان تتجه الابحاث الي 300الف سنه )
بعض النظريات التي تقدم فرضية مثل أن النيل الازرق كان منفصل عن النيل الاصلي وانضم اليه في فتره تقدر من 70 الي 80 الف سنه ايضا كان النيل الابيض وبحر العرب عباره عن بحيره مغلقه ( هذه المنطقه تم رصدها من قبل الامريكان من برام وحتي جبل الداير وسبق ان تطرقت اليها من قبل مخزون مياه يقدر بأيراد النيل لمده 500 سنه كما ان هناك تغذيه مباشره من بحر العرب )
لقد كانت البدايه لتكوين هذا النهر العظيم قبل 65 مليون سنه واستطاع ان يشق طريقه الحالي قبل 120 الف سنه
جنة مفقودة – وادي هور
في ذروة العصر الهولوسيني (منذ 9500 حتى 3000 سنة مضت)، لم تكن الصحراء الكبرى كما نعرفها اليوم. بل كانت واحة بيئية حافلة بالبحيرات العذبة والمراعي والأنهار الموسمية. وقد دعمت تلك البيئة مجتمعات من الصيادين والرعاة، وقطيعًا متنوعًا من الأبقار والأغنام والماعز، كما أظهرت الدراسات الحديثة على فخار تلك العصور وعظام الحيوانات المكتشفة في المنطقة.
بل إن مناخ وادي هور كان في بعض الروايات أنقى مما قد يتصوره العقل اليوم: الهواء عليل، والتربة تزيل الدهون دون صابون، والجروح تلتئم دون التهاب، وحتى الجثث لا تنتفخ ولا تُصدر روائح كريهة! والصابون كما لا توجد بها الأمراض المزمنة والمعدية التي انتشرت في عالمنا اليوم. هذا المناخ الفريد جعل من وادي هور بيئة آمنة ومستدامة للبشر لآلاف السنين.
بدايات الاستيطان
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الإنسان الأول ظهر جنوب أسوان، في ما يُعرف اليوم بجنوب مصر وشمال السودان، وتحديدًا قرب الشلال الرابع، منذ حوالي 150 ألف سنة، وربما حتى 300 ألف سنة حسب الدراسات الحديثة. لم يكن نهر النيل آنذاك على شكله الحالي، بل كانت المنطقة التي نعرفها اليوم كمجرى للنيل تتغذى من عدة فروع منعزلة — النيل الأبيض كان بحيرة مغلقة، والنيل الأزرق لم ينضم بعد إلى مجرى النيل الرئيسي إلا قبل نحو 70 إلى 80 ألف سنة.
أما وادي هور، فقد مثل في الألفية الخامسة قبل الميلاد “عتبة إيكولوجية”، أي منطقة انتقالية حيوية بين بيئات جافة وأخرى أكثر خصوبة. ومع تفاقم الجفاف، تحولت مراكز الاستقرار البشري من الأطراف إلى قلب الوادي، وحدثت تغييرات في نمط المعيشة، فقلّت الأبقار وزادت الأغنام والماعز، كما تغيرت طبيعة العمارة والعادات الاجتماعية تبعًا للبيئة الجديدة.
بدو وملح وأناشيد
لم يكن وادي هور مجرد ممر مائي، بل كان مسرحًا لحياة بشرية متكاملة. البدو الذين عاشوا فيه تعايشوا مع بيئته القاسية من خلال الترحال الموسمي، بحثًا عن نبات الجزو أو بئر العطرون لاستخراج الملح، رحلة لا يخوضها إلا القوي من الرجال والإبل. حملت هذه الرحلات تقاليد غنية، من الأغاني إلى العادات، وهي في طريقها للاندثار اليوم مع دخول العصر الحديث.
فنجد الشاعر السوداني (العباسي) يمنح النيل الأصفر مالم يرى أن النيل الكبير يستحقه:
سبحان ربي أين وادي النيل * من وادي هورْ
وادي الجحاجحة الأُلي * عمّروه في خالي العُصُرْ
وعواصم القوم الذين * بذكرهم تحلو السيرْ
من ذللو أصعب الزمان * وكم أقاموا من صعرْ
درجوا فما رد الردى * بيض الصفائح السمرْ
متكافئين وربما * فضل العزيز المحتقر
ومن الملح المحلي “أورقوي” إلى كثبان الرمال الفضية والذهبية، ومن غابات الأشجار الكبيرة إلى خزان “كاري ياري” الى قلعة “جالا أبو أحمد”، ترك وادي هور بصمات ثقافية وجمالية جعلته محل اهتمام الباحثين والجهات المهتمة بالتراث العالمي.

روافد الوادي ومعالمه
قدّمت الأبحاث الميدانية حول التاريخ المناخي والتحولات التي شهدتها صحراء شرق الصحراء الكبرى أدلة على أنه خلال الحقبة الرباعية، كانت المنطقة الغربية الحالية شديدة الجفاف من النوبة العليا (شمال السودان) متصلة مؤقتًا بنهر النيل عبر رافد كان مجهولًا حتى وقت قريب، ويبلغ طوله 400 كيلومتر. بين حوالي 9500 و4500 عام مضت، كان الجزء السفلي من وادي هوار يتدفق عبر بيئة تتسم بوجود العديد من منافذ المياه الجوفية وبحيرات المياه العذبة. وقد سكنت هذه المنطقة، التي لا تتلقى اليوم أكثر من 25 ملمًا من الأمطار سنويًا، مجتمعات رعوية وحيوانات السافانا. في تلك الفترة، كان الحد الجنوبي لصحراء شرق الصحراء الكبرى يمتد إلى ما يقارب 500 كيلومتر شمال موقعه الحالي، وكانت موارد المياه الجوفية تُعاد تغذيتها للمرة الأخيرة.
وادي هور اليوم: ذاكرة تنبض في الرمال
اليوم، بات وادي هور نهرًا جافًا في أغلب فصول السنة، لكنه لا يزال ينبض بالحياة من خلال مواقعه الأثرية التي تجاوز عددها 2400 موقع موثّق. كما أنه يمثل رابطًا بيئيًا وثقافيًا نادرًا بين أعماق إفريقيا ووادي النيل. ومع تزايد الاهتمام الدولي بالتراث الطبيعي والأنثروبولوجي، تتزايد الدعوات لتصنيفه كموقع تراث عالمي، ليس فقط لما يحتويه من بقايا حضارية، بل لما يمثله من نموذج حيّ على التفاعل بين الإنسان والمناخ عبر العصور.

اترك تعليقاً