النظام الديني لقبيلة الدينكا

الكاتب: سايمون أتر

ضريح/معبد “مايوال” Luak Mayual

(١)

تمثل الأرواحية بثالوثه المقدس ، الله/الخالق [Nhialic] ، أرواح/الأسلاف [Atiip] ، والرؤساء الروحانيين [Banybiith] المعتقد الأساسي لدي قبيلة الدينكا ؛ حيث الاعتقاد بوجود الأرواح ؛ وان أي نظام او كائن ،او ظاهرة طبيعية مثل المطر ، الرعد والبرق او الرياح والأعاصير. او حتى الجمادات تمتلك نوعا من الروح.

(٢)

يتكئ هذه العقيدة الأرواحية على أعمدة كثيرة أهمها ، هبات الخالق وبركات الزعماء او الوسطاء الروحانيين او الدينيين. الذين يجمعون بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية ، أمثال (أرياط مكوي) لدي دينكا ملوال. “وتقول بعض الروايات المحلية انه تعلم الكهانة على يد نبي النوير (نقوندينق بونق)”!. ، وكذلك (أيويل ديت) لدي دينكا فدانق ، (قيير طييك) لدي دينكا ريك ، و (مايوال) الذي نحن بصدد إعطاء شذرة عن ضريحه. وهؤلا كان مهمتهم الأساسية تقديم المشورة العرفانية (اثناء حياتهم) والحماية الروحانية (بعد رحيلهم) لأفراد القبيلة/العشيرة!.

(٣)

يعتبر “مايوال” هو المؤسس للنظام الديني/الروحي لعشيرة (رور ديور/ضِين ديور/دُؤور) تُكتب [Röör-Diöör] بلغة الدينكا. وتقول بعض الشفاهيات بانه وبعد ان أرسى دعائم النظام الديني والإجتماعي وثبت جذور شجرة “روال” Ruäl (طوطم العشيرة) صعد إلى السماء أمام انظار الجموع المتحلقين في دوائر حول الطبول ؛ حيث ظلوا يحدقون وسط العثير وهو يفرد ذراعيه القويتين في صعوده الأبدي تلك!. وقد سمى ذلك العام ب(عام الصعود) كعادة الدينكا في “التزمين” ؛ حيث يقومون بربط الأزمنة بأحداث معينة!

(٤)

كان صعوده بتلك الطريقة العجائبية تتويجا لكراماته وآياته الكثيرة ، وهي كرامات مستمرة حتى يوم الناس هذي!. حيث يحصل عليها أفراد العشيرة بعد قيامهم بطقوس تشمل ، إبتهالات ، ذبح كبش مُسمَّن (köüc) او زيارة ضريحه الذي يقف شامخاً بمنطقة “وار نيانق” Warnyang في رومبيك الوسطى! وهو الضريح او المرقد الذي يحظى بأهمية كبيرة داخل الإطار الإجتماعي للدينكا (عشيرة ريديور Röör-Diöör) على وجه الخصوص وذلك لأهميته الثقافية والروحية والاجتماعية.

(٥)

يجسد هذا الضريح او المرقد الطبيعة العضوية والجماعية الشاملة للعشيرة ، وبأنهم كتلة واحدة رغم توزعهم بين بطون وافخاذ قبيلة الدينكا! كما يؤكد على روحانية أفرادها. وهو أيضا شهادة على مرونة وهوية واستقلال مجتمع الدينكا ، بل وأصالته ، تلك الأصالة التى مكنتهم من المحافظة بثبات على تقاليدهم الأجدادية وهويتهم الثقافية ، ومقاومة الضغوط الخارجية عبر التاريخ.

(٦)

على مدار مئات السنين ظل الضريح/المرقد Luak Mayual يقف شامخا كرمز للفخر والإعتزاز بالهوية الدينية والثقافية لدي العشيرة ، ويتم تجديده Renovation of Luak Mayual كل ثماني سنوات (شهر مارس) في كرنفال طقوسي ضخم يستمر لمدة ثمانية أيام ، ويحضره الآلاف من أفراد العشيرة المنتشرون على رقعة واسعة من موطن الدينكا في رومبيك ، اويل ، و أبيي ..الخ. ويتم فيه -بعد إكتمال عملية الترميم/التجديد- تلاوة إرشادات روحية ، والتي تصبح فيما بعد دليلاً روحياً يلتزم ويعمل به أفراد العشيرة من أجل جلب الرخاء العام والرفاه الفردي!.

(٧)

ولما كان للضريح قدسيته الكبيرة ، وهي قدسية مستمدة من قداسة صاحبه!. يتم إختيار زعيم روحى Spiritual Leader من بين عدة زعماء ليترأس الضريح/المعبد/المرقد ؛ حيث يقوم بجانب مهامهه الاجتماعية والادارية في تنظيم المجتمع وتصدير القيم النبيلة المتمثلة في. المحبة بين الجماعة ، الإيمان بالفضيلة التشاركية ، الصدق والشجاعة ..الخ. كذلك يقوم بمهام روحية من ، طرد اللعنات ، التطهير والتكفير ، والتبريك في كل مراحل العبور (الميلاد ، التسمية ، الفطام ، نزع الأسنان ، التشليخ ، الزواج) ..الخ. إلى الوساطة بينه وبين الخالق والأسلاف لصالح أفراد العشيرة.

(٨)

بلغ الزعماء او القادة الروحانيين المتوجين الذين ترأسوا الضريح بعد صعود “مايوال” إلى السماء ، ثلاثة عشر قائدا روحياً وهم بالترتيب:

شيكوم (Cikom) ، ديينق (Diing) ، كوت (Kuot) ، بوي (Buoi) ، كشوال (Kacuol) ، شيوير (Ciwer) ، مشوت (Machot) ، كيجانق (Kejang)، ميين/ميان (Meen) ، قوول (Gol) ، أتر/أتير (Ater) ، مكوير (Makuer) ، واخيرا ، دير (Deer) وهو الزعيم الروحي الحالي (رأس المعبد/الضريح) وقد تم إختياره خلفا لوالده ، الزعيم التاريخي “مكوير قول” Makuer Gol.

___

رومبيك

٢٦ مارس/آذار ٢٠٢٤م


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *