“الكُجور”: تجليات الإنسان المقدّس في مجتمع جبال النوبة في السودان الأوسط

للكاتب: محمد هارون كافي أبوراس

ترجمة : أيمن هاشم


تعتبر الديانات والمعتقدات التقليدية جزءًا أساسيًا من نسيج المجتمعات الأفريقية، سواءً كانت سماويةً أو مرتبطةً بعبادة الأسلاف. في جبال النوبة بوسط السودان، يبرز دور “الكجور” كشخصية روحية فريدة، تجسّد حلقة الوصل بين العالم المادي والروحي. هذا المقال يستعرض مفهوم الكجور، وطرق تكوينه، وأدواره المجتمعية، مستندًا إلى أبحاث الكاتب محمد هارون كافي أبو راس الذي نشر كتابًا حول الموضوع عام 1978 تحت إشراف البروفيسور سيد حامد هُرَيْز.

معنى (الكجور ) وأصوله اللغوية

كلمة “الكجور” مُشتقة من لغات محلية في جبال النوبة، وتُستخدم للإشارة إلى الشخص الذي تسكنه الأرواح المقدسة. يتكون المصطلح من جزأين:

“كوج”: وتعني “التعليق” أو “التشبث”.

“أور”: وتعني “الروح”.

وبذلك، يُقصد بالكجور “الشخص المُعلَّق بالروح”، أي الذي تخترقه قوى خارقة تتحكم في أفعاله.

 يُعرف الكجور أيضًا بأسماء أخرى حسب القبائل، مثل “تا موسلا” في كادوقلي، و”بيل” في كواليب، و”أباديه” في نيامانغ. في شمال جبال النوبة، تسمى الروح التي تسكن الكجور “أباديا”، والتي ترفعه لاحقًا إلى مرتبة أعلى تُعرف بـ”الكوير”.

كيف يصبح الإنسان كجورًا؟

لا يتحول الشخص إلى كوجور إلا بعد سلسلة من الاختبارات الروحية. تبدأ الرحلة بأحلام مُخيفة أو هلوسات، مثل رؤية الثعابين، والتي تُعتبر إشارةً إلى بداية اتصاله بالعالم الروحي. يُطلب منه لاحقًا اجتياز تحديات عملية، مثل الكشف عن أشياء مخبأة، لإثبات قدرته على التنبؤ. إذا نجح، يخضع لطقوس تدريبية تمتد أسبوعين في منطقة نيامانغ، يرافقه خلالها أربعة مراهقين (فتيان وفتيات). تشمل هذه الطقوس:

التطهير: التخلص من النجاسات الجسدية والروحية.

العزلة: البقاء في مكان مقدس للصلاة والتأمل.

مواجهة الأرواح الشريرة: عبر طقوس رمزية لمحاربة القوى السلبية.

تقديم القرابين: مثل ذبح الدجاج، الذي يُحظر على نساء ديلينغ تناوله.

أعمال الكجور وواجباته

لا تقتصر مهام الكجور على الجانب الروحي فحسب، بل تمتد إلى تدبير شؤون المجتمع اليومية، ومنها:

استجلاب المطر: عبر طقوس خاصة لضمان خصوبة الأرض.

تبارك الزواج: بإقامة مراسم تضمن استقرار العلاقة.

العلاج الروحي: خاصة للأمراض التي يُعتقد أن سببها سحر، حيث يستخدم الكجور أدوات مثل القِربة المائية لاستخراج أجسام غريبة (كالحجارة والخيوط) من جسد المريض.

حماية المحاربين: عبر التنبؤ بمصير المعارك ودرء الأخطار.

إدارة الطقوس الموسمية: مثل “كامبالا” لانتقال الذكور إلى مرحلة الرجولة، و”طقوس الصومعة” للفتيات، والتي تستمر ثلاثة أشهر.

الاختلافات الإقليمية بين الكجور

تختلف ممارسات الكوجور حسب المنطقة

في نيامانغ (شمال جبال النوبة): يدخل الكوجر في حالة نشوة تشبه الجنون، يتحدث خلالها بلغة غامضة تحتاج إلى مترجم.

في كادوقلي (الجنوب): يكون الكوجر في حالة نشوة دائمة، ويستخدم أساليب مثل الصراخ على الشخص العاجز ليشفى، أو “كنس” الأمراض من الجسد بأدوات رمزية.

الترانيم والموت ونقل السلطة

ترتبط كل طقوس الكجور بترانيم خاصة، مثل تلك المُستخدمة في الزواج أو الحصاد. عند فشله في علاج مريض، يردد عبارةً تشبه المفهوم الإسلامي: “يا الله، هذا عبدك، أرسلته إلى العالم فاسترده”. أما عند وفاة الكوجر، فإن روحه تنتقل إلى شامان آخر عبر طقوس سرية، مما يضمن استمرار دوره في المجتمع.

الأسماء الشخصية وثقافة الخصوبة

في كادوقلي، تحمل الأسماء دلالات تراثية عميقة. تُقسَّم الأسماء إلى :

ذكور (كوكو/ كافي/كابي / تيا/تيو/ توتو/ كوو/ كيكي / آسو / كانو)

إناث (كاكا / تاتو / كوتشي / كيكي / كوو / كيكي / تيسو)

، ويعتقد المجتمع أن المرأة تنجب 16 طفلًا كحد أقصى. تُحسب فترة الخصوبة التقليدية بين 24 إلى 46 عامًا، مع وجود ندوب على البطن تُقاس كل واحدة منها بأربع سنوات لتحديد العمر.

المصادر

مترجم عن مقال باللغة الإنجليزية : The “KUJUR”  – Role of the African God-man in the Nuba Mountains Community of Central Sudan   :- Mohammed Haroun Kafi Abu Ras


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *