القيامة

للأخشاب المبللة عند النافذة

والجدول المهجور في الغابة

للسيدة التي تمشط طرقات المدينة بصوتها

وللمزارع الذي يهمس في أذن السماء بالدعوات

للصباح وهو يشنق أحلام القطط

وللمساء وهو يبني الخوف في جوف العصافير

كان الشعراء يكتبون

وكان المسرح يعج بالتصفيق وبقايا الفشار ورائحة الجوارب النتنة

ولأن الكتابة تقتضي الجنون

جُنَّ الشعراء

وأصيبت مخيلتهم بالسَعر

لم تغفر المدينة الصارخة

ولا حُراسها البخلاء

لم تغفر الأشجار الكئيبة

ولا الطلقات الساخنة

لم تغفر السجون الباردة

ولا الأرصفة المعذبة

هكذا حركوا أصابعهم

وأشاروا إلى الشاعر

هكذا إنكمشت وجوهم

وأخرجوها من أفواهِهم وأعينهم

جريئة كمقدمة نصل

وقالوا:

إنه يفضح حزننا

هذا الشاعر صاحب الوجه الضبابي

الملون بلون السماء

والمُفتت كالأتربة

لا أملكُ اللغة الكافية لأغرس نفسي كإبرة في لحم الوقت،

أهددُ العالم بكلماتي

وأشنق الحزن على عمود الشعر

أنا فتى من ماء

تذوب فيَّ التواريخ والذكريات والمشاهد القاسية

يقودني النهر

وتتقاذفني الضفاف والمراكب

وحينما أعوي كذئبٍ شرس

وأقرر السفر إلى الصحراء

لأحي زهرة

أو صبارًا بأشواكٍ رقيقة ونيئة

ستقتلني الشمس

وسيفلتني النهر

وأرحل بعيدًا عبر جذع شجرة

أو على ظهر رجلٍ مسن

وفي الوقت الذي تؤول فيه الأشياء إلى لغة العدم

وتصطك أسنان الشمس قرب وجوهنا

حينما ينمو للموتى أرجل

وللقبور معاول وجرافات

حينما يثور الخوف كاللهب

ويفر البشر كالنمل

حينما تبصق النهاية في وجه الحياة

وتضحك الحياة في وجه الغافلين

ويبكي الغافلين في وجه القيامة

حينها فقط

ستنسى الأخشاب والسيدة والجدول

سينسى المزارع والقطط والعصافير

سينسى الجميع أحزانهم

سينسى الشاعر كتابة الأحزان

ويسير الجميع ناحية النهاية المؤجلة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *