“ترب البنية” هو مصطلح يرتبط بمعتقد شعبي سوداني قديم يثير فضول الكثيرين. وفقًا لهذا المعتقد: يُقال إن بعض الأشخاص المتوفين قد يعودون من الموت لزيارة أحبائهم أو أقاربهم، متوارثين هذه الظاهرة جيلاً بعد جيل، ما يجعلهم جزءًا من سلسلة عائلية غامضة ومثيرة للرعب.
في اللهجة السودانية، كلمة “ترب” تعني المقابر، وهي مشتقة من “تراب” الذي يُكال على الميت أثناء الدفن. أما “البنية” فهي تعني الفتاة أو البنت. وعليه، فإن مصطلح “ترب البنية” يعكس صورة رمزية لشخصية يُعتقد أنها تعود من المقابر، مرتبطة بأنثى ونسلها. يُقال إن هذه العودة الليلية تحمل معها نداءً خاصًا، حيث يظهر الموتى لأقاربهم بطريقة مقلقة تُثير الخوف والحيرة.
تُروى العديد من الحكايات عن “ترب البنية” في السودان. يُقال إن أفرادًا من بعض العائلات يظهرون ليلاً بعد دفنهم، يطرقون أبواب منازلهم أو نوافذها، وينادون على أقاربهم بأسمائهم. غالبًا ما يتجنب الأهالي فتح الأبواب خوفًا مما قد يحدث، فتعود الأرواح إلى المقابر. يتم تصوير هؤلاء الزائرين وهم يرتدون الأكفان البيضاء، ويتحدثون بصوت شاحب يشبه الأنين، مما يضيف بعدًا دراميًا لهذه الحكايات.
في كثير من الأعمال الدرامية السودانية، تجسد هذه الفكرة بصور مرعبة، حيث يظهر الموتى مرتدين الكفن الأبيض كرمز للشبح العائد من العالم الآخر. هذه المشاهد لم تكن مجرد خيال، بل انعكاس واضح لتغلغل هذه الأسطورة في الذاكرة الجماعية.
من أشهر الروايات المتداولة قصة امرأة عادت من الموت وطرقت باب منزلها طالبة رؤية بناتها، لكن الخوف منعهن من فتح الباب. يروي الجيران أن المرأة اتجهت إلى بيت آخر، حيث أصابت الجارة التي فتحت لها الحمى الشديدة لعدة أيام.
وفي قصة أخرى، يُحكى أن الموتى ينطقون أثناء الغُسل الأخير كلمات تحمل دلالات وداع، مثل قولهم لمن يغسلهم: “نحن راحلين ولن نعود”، مما يُعتبر تأكيدًا على أن العودة أمر استثنائي وليس شائعًا.
يعود أصل هذا المعتقد إلى رواية شعبية تُنسب إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وفقًا للقصة، طلبت امرأة من النبي أن يدعو الله ليُعيد ابنتها المتوفاة. بعد دعائه عند قبر الفتاة، عادت للحياة لفترة قصيرة قبل أن تموت مرة أخرى. هذه القصة وردت في كتاب “دلائل النبوة” للحافظ أبو بكر البيهقي، كما أوردها ابن كثير في “البداية والنهاية”.
في كتاب “الأحاجي” للعلامة عبد الله الطيب، تحتل قصص “ترب البنية” مكانة بارزة ضمن الموروث الشعبي السوداني. تُصوَّر الأسطورة بوصفها انعكاسًا للخوف من المجهول والرغبة في فهم عالم الموتى. كما يتحدث الكتاب عن شخصيات مثل “السحاحير”، التي تشترك مع “ترب البنية” في إثارة الخوف والحيرة.
يؤمن الكثيرين بأن الذين يعودون الى الحياة هم عادة يمثلون القرين السيئ للشخص الميت، وانهم يأتون الى اماكن الفوها وكانوا يترددون عليها وهم احياء، فيثيرون الفوضى ليلاً بحركتهم و «كركبة العدة» وفتح وإغلاق الأبواب.. وتكون لديهم بعض التشوهات مثل «النخنخة».
من أشهر القصص قصة الرجل الذي رأى ابنه المتوفى يطلب الحلوى ليلاً، أو الفتاة التي أصيبت بالجنون بعد أن تحولت جدة زوجها المتوفاة إلى مخلوق غريب. هذه الروايات، رغم غرابتها، تعبر عن طبيعة الخيال الشعبي وقدرته على مزج الواقع بالخرافة.
المصادر
- الحافظ أبو بكر البيهقي، “دلائل النبوة”.
- ابن كثير، “البداية والنهاية”.
- عبد الله الطيب، “الأحاجي”.
- روايات شفوية من المجتمع السوداني.
اترك تعليقاً