الزير – ثلاجة الفقراء

يُقال قديماً في الأسطورة، إن النبي الخضر كان قد شرب من مياه الزير فحلت في ذلك الوعاء الفخاري البركة فسمي الوعاء بالزير، ولذلك يحرص الناس على الشرب منه ومن السبيل.

الزير” أو “ثلاجة الفقرا” وهو إناء فخاري تقليدي يستخدم في السودان لحفظ و تبريد المياه. يختلف شكل الزير بإختلاف المنطقة. ففي غرب السودان مثلاً، نجده بشكل دائري بينما يأخذ في الخرطوم شكل الهرم المقلوب.

وفي اللغة العربية [مفرد]: جمعه أَزْيار: وهي  جَرَّة كبيرة واسعة الفم يُوضع فيها الماء وربما أشتق إسمه من العادة أو كثرة الزيارة له وكثرة الزائرين عليه. كما يُرجح إشتقاق الكلمة من اللغة التركية (زير) اصلها” آزير” وتعني قدر الماء الكبير.

قبل دخول الحداثة والكهرباء إلى المناطق السودانيّة المختلفة، كان الزير، وحتى وقت قريب، المورد الأساسي للمياه الباردة ولحفظ الطعام وتبريد الفاكهة، خصوصاً البطيخ الذي اعتادت الأسر السودانيّة وضعه تحت الزير ليُبرّد بواسطة قطرات المياه التي تتساقط من أسفله، والتي عادة ما تكون باردة.

يوضع الزير على حمالة من خشب أو حديد، ويُغطّى من الخارج بقطع من (الخيش) في موسم الصيف الحار. ويتمّ اختيار مكان له لا تصله الشمس إطلاقاً، فيوضع في الغالب في ظل شجرة. كذلك، تعتني الأسر به بشكل يومي إذ يتم تجديد مائه و غسله وتجميله عبر “سحن” الطوب الأحمر أو ما يطلق عليه محلياً “الحيمور”، فيُطلى به الزير من الخارج.

في الوقت الحديث يمثل الزير شكلاً من الفلكلور للتزيين فتوضع القُلة كزينة في المدينة، وفي الشوارع يستخدم كـ”سبيل”، إذ توضع مجموعة من الأزيار في جوار المنازل وتملأ يومياً بالماء ليشرب منها المارة. وأحياناً، يعمد أهل الميّت إلى وضعه (كصدقة عن روح الميت) على جوانب الطرقات الرئيسيّة وأمام المدارس والمستشفيات.

أما عند النوبة شمالاً: فكان يتم بناؤه وزخرفته بألوان ونقوش النوبة المميزة. واستخدم البعض نوى ثمار المشمش داخله لتنقية المياه حيث تلتصق بها الشوائب.

أما في غرب البلاد، هناك أسطورة ترتبط بالزير. فهي تتشاءم إذا ما كُسر وتحرص على دفن قطع محددة منه يطلق عليها “الطاب في أماكن بعيدة، إذ ترى في ذلك دليلاً على التشرذم والتشتّت. ومن هنا كان المثل الشعبي القائل: “ناس راقدين شلايا وطاب”، أي مشتتين.

وكسر الفخار هو (النحس) وعند العرب القدماء بل إن بعضهم يُحدد لهذا الطقس شهراً معيناً من الشهور العربية، كذلك فالبعض يعتقد أن الأشياء المصنوعة من الفخار تُعد أحد مستلزمات «السحر»، فيقوم الساحر بتدوين ما يريد على الفخار قبل حرقه ليوقع الضرر بمن يريد، وهذا الطقس قديم، حيث كان السحرة يكتبون تعويذاتهم على قطع من الطين ثم يحرقونها ويرمونها فى النهر.

أما في الشمال، إلى الاستفادة من بقايا الزير المكسور في سقاية المواشي، وهو ما يطلق عليه اسم “القِحف”، ومنه أيضاً انطلقت أمثال شعبيّة، كأن يقال مثلاً لأحدهم بهدف التقليل من شأنه، إنه “مجرّد قحف” لا قيمة له. وفي النص الذي يوجهه الشاعر محمد الحسن سالم حميد بلسان بنيات الجرف :

(مكسور خويطرة بي قِحف) وهي كناية عن الكسر الذي لا يمكن جبره

عودينلو قشكن النشف،

يدغي ورويسات السعف

مكسور خويطره بي قحف

ترغي وتسف ملح الأسف

كما  للزير في غرب السودان تسميات مختلفة، مثل الجر والدوانة والكلول، وأن له استخدمات مختلفة بالإضافة إلى تبريد المياه. ففيه تصنع عصيدة الدامريقا، وهي وجبة شعبيّة، تُخبز من الدُّخن.

أما أسطورة “الكلول”، فتوجب أخذ قطع منه عندما ينكسر لوضعها في أماكن معيّنة تحسّباً من “صيبة العين” لمنع الحسد.

ويمكن تحديد المناطق المسكونة في دارفور منذ مئات السنين والتي تم هجرها عبر أثر بقايا الأزيار المكسورة فيها”.

تعود صناعة الفخار إلى الحضارة النوبية التي قامت على الجزء الشمالي من السودان قبل 5 آلاف عام. وفي الحضارات القديمة مثل كوش ومروي. كانت تستخدم الأوعية الفخارية للخمور والنبيذ وتوضع في قبور الملوك”.

فثمّة أسراً محدّدة في السودان متخصصة في صناعته، وهي التي تسكن قريبة من نهر النيل، إذ إن صناعته، أو “القادة”، تعتمد على طمي النيل. كما يوجد مجتمعات سودانيّة تحرص على وضع الأزيار في المدافن، اعتقاداً منها أن الموتى يشربون منها.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *