الاحتلام هو عبارة عن تجربة شائعة تحدث في فترة المراهقة، وتستخدم لوصف القذف اللاإرادي للسائل المنوي أثناء النوم. يحدث الاحتلام عادةً أثناء النوم العميق والمراحل الخامسة للنوم المعروفة باسم “المرحلة الريمية” وهو هو الوصول للنشوة الجنسية أثناء النوم، أي القذف عند الذكور والبلل المهبلي أو الوصول للنشوة عند الإناث.
أما في الميثولوجيا السودانية فقد نُحت في معجم العامية السودانية مصطلح بنت إبليس على شخصية جنية أسطورية تأتي للشباب في نومهم وتمارس معهم الجنس وتغويهم وقد ارتبطت في المحكيات الإسلامية كشيطان وهي ذاتها ليليث في العهد القديم وفي النصوص البابلية القديمة.
كما ورد في التراث الإسلامي بعض المرويات التي ضُعفت وأنكرت مثل : حديث رواه الطبراني في(المعجم الكبير:11/225)، و(الأوسط:8/91) واللفظ له، وابن عدي في من حديث ابن عباس قال: “ما احتلم نبي قط إنما الاحتلام من الشيطان”.
وفي إحدى معارك المسلمين أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة والبيهقى والطبري وبن كثير في تفسيرهما : أثر ابن عباس في الآية أنه قال:{ وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم: تزعمون أنكم أولياء الله تعالى، وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مجنبين؟ فأمطر الله عليهم مطراً شديداً، فشرب المسلمون وتطهروا، وأذهب الله عنهم رجز الشيطان..}
و ما روي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ – عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلاَ يَذْكُرُ احْتِلاَمًا قَالَ « يَغْتَسِلُ ». وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلاَ يَجِدُ الْبَلَلَ قَالَ « لاَ غُسْلَ عَلَيْهِ ». فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْهَا غُسْلٌ قَالَ « نَعَمْ إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ».أخرجه أبو داود وصححه الألباني..
كما ورد في حديث أُمِّ سَلَمَةَ؛ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ، فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي، وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: يَا رَسولَ اللهِ وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ قَالَ: نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا..أخرجه البخاري ومسلم
كما يُورد الكتاب المقدس فقرتين رئيسيتين تتناولان احتلام الرجل مباشرة: سفر اللاويين 15 وسفر التثنية 23. في الأولى، يخاطب الله موسى وهارون بأن جميع الإفرازات الجسدية تُعد نجسة، وأن الرجل الذي يُنزل المنيّ يجب أن يغسل كل ما لامس ذلك السائل، بينما يظل هو نفسه “نجسًا” (ما يمنعه من تناول الأطعمة المقدسة أو تلاوة النصوص الدينية أو الصلاة) حتى حلول المساء. أما سفر التثنية 23 فيتحدث تحديدًا عن رجل “تنجّس باحتلامه الليلي”، فيُطالب بمغادرة معسكر الحرب حتى المساء. ألا يستحق هذا السائل المهين كل هذا الحظر؟ بل يُضيف السفر أن أيَّ تنجُّس، أو أيَّ سائل منويّ خارج مكانه، قد “يدفع الله إلى الإعراض عنك ورفض حمايتك أو شعبك”. لقد وصل الأمر إلى حدِّ اعتبار أن احتلامًا ليليًّا قد يُهلك أمة بأكملها! لذا ليس غريبًا أن تُظهر الثقافة العبرية، كغيرها من الثقافات التي هيمنت عليها الأساطير المصرية، هوسًا بالطهارة.
“سِرا لافيتلا” (السائل المنوي المُهدر). لقد كانت النصوص الدينية صريحة: الاحتلام، والاستمناء (تثنية 23:10-12؛ لاويين 15:16–17)، وحتى الاغتصاب (تثنية 22:23–26) كلها أفعال تنجِّس الجسد (رغم إباحة الجنس في ساحات الحرب أو ضمن إطار الزواج). يشرح “جيمس آهو”: “إسرائيل القديمة كانت مجتمعًا أبويًّا، وكل فعل من هذه الأفعال يتضمن إفرازًا منويًّا قد يُربك أو يعيق استمرار النسل الذكوري”. بل ينقل أحد النصوص التلمودية عن الحاخام “يوحانا” قوله: “مَن أهدر مَنيَّه دون فائدة يستحق عقوبة الإعدام”.
يُقارن السائل المنوي اللاإرادي بدم الحيض، الذي يُعتبر نجاسة بالغة لدرجة أن سفر اللاويين 15 يفرض على المرأة، بعد انتهاء دورتها، الانتظار أسبوعًا كاملًا ثم تقديم حمامتين إلى الكاهن؛ إحداهما ذبيحة خطيئة والأخرى محرقة تكفيرًا عن “نجاسة إفرازاتها”.
ويبدو أنه لا شيء أكثر نجاسةً وخطيئةً في اليهودية من “الجنس الفاشل”. تذكروا قصة “أونان” في تكوين 38، الذي مات عقب إهداره سائله المنوي، الأمر الذي أرعب المجتمع آنذاك. كما ارتبط القلق من الاحتلام بمعتقدات قديمة عن “المنيّ الحسّاس” القادر، إذا أُهدر، على إنجاب شياطين.
هذه الفكرة عن “النطفة الواعية” تتكرر في ثقافات أخرى. ففي الميثولوجيا الإغريقية، وُلد “إريكثونيوس” (الابن الثعبان للإلهة أثينا) من سائل منويٍّ مسكوب. تروي الأسطورة أن أثينا مسحت السائل عن فخذها وألقته على الأرض، وعندما التقت “الروح السائلة” بالتراب، وُلد إريكثونيوس. والمثير أن فيلم “المرأة الخارقة” (2017) يصف ولادة البطلة كـ”تراب مُبلل” شكّلته أمها ولمسه صاعقة أبوها.
من أطرف القصص في المدراش تلك التي تحكي كيف أقسم آدم وحواء على عدم الإنجاب مجددًا بعد رؤية فشل ذريتهما الأولى (قابيل وهابيل)، فعاشا 150 عامًا في عزوبة. خلال هذه الفترة، أطعم آدم دون قصد شياطين الأرض السواقط (السكوبا) من مَنِيِّه، فولدت منهم شياطين. عادةً ما تُلقى تبعة الأحلام الجنسية عمومًا، والاحتلام خصوصًا، على “ليليث” الزوجة الأسطورية الأولى لآدم. فهي “شيطانة الليل” التي تتسلل إليك، تستحوذ عليك، وتستنزف بذورك وأرواحك! هي مصاصة الدماء الأولى (في الخيال الأسطوري، وفي مسلسل “تيور بلاد”). هي “الفوضى” التي يتحدث عنها جوردان بيترسون.
تظهر ليليث شخصية أسطورية ورد ذكرها في المدراش ونصوص بابلية كالتلمود كزوجة آدم الأولى. كانت نظيره في كل شيء، لكنها رفضت أن يُجامعها كالحيوان. وبحسب إحدى الروايات، احتجت ثم اختفت. تقول رواية إن آدم قتلها، لذا تطارد شبحها نسله. وفي رواية أشهر، نطقت ليليث بالاسم السري لله، فطارت إلى السماء كالمسيح في يوم تجليه. تعيش الآن في العالم السفلي أو بين أنقاض المدن، ويُسمع عويلها مع الرياح. في رواية إسلامية، تعيش مع الشيطان وتلد شياطين في الجحيم. بل إن بعض النصوص تجعلها الشيطان نفسه (الحبيب المرفوض).
قديماً اعتبر الرهبان في تلك الحقبة أن “ليليث” هي المسؤولة عن هذا الأمر وبالتالي حاولوا منع “زياراتها الليلية” من خلال وضع أيديهم على أعضائهم التناسلية وحمل الصليب أثناء النوم.
المنيّ الغنوصي
لم يعتبر كل اليهود والمسيحيين الأوائل إهدار المنيّ خطيئة. اتبعت طائفة “البوربوريين” المسيحية إنجيل فيليب، الذي يحذّر من إدخال المنيّ إلى الرحم كونه يجذب روحًا من الخلود لتُسجن في جسد فانٍ. لذا، وجب إهدار كل نطفة أو أكلها! فكرة “الجسد سجن الروح” من بقايا هذا المعتقد الغنوصي، حيث يُعتبر الإنجاب الخطيئة القاتلة. لكن هؤلاء الغنوصيين رأوا في “يaldabaoth” (يهوه) الإله الدنيوي الشرير الذي خلق العالم، فلماذا يُجلب الروح إلى عبوديته؟
لكن هذه الجماعات كانت استثناء. فمعظم اليهود والمسيحيين آمنوا بقدسية يهوه، وأن المنيّ غير المُوجّه للرحم هو “سِرا لافيتلا” (سائل مهدر)، يمنعك حتى من دخول الهيكل والاقتراب من الله.
المفارقة أن بعض النصوص تربط السائل المهدور بولادة رجال استثنائيين، كالنبي حزقيال الملقب بـ”ابن آدم” لأنه وُلد من مَنِيّ آدم المسكوب. بل ينقل “ماجيد” عن حاخام قوله: “هذه القطرات (المنوية) تنتج أرقى الأرواح لكونها نابعة من ذكورة خالصة، لكنها تفتقر لوعاء أنثوي فتُختطف بواسطة إناث شيطانية (كليليث)”. حتى أن ميلاد “بن سيرا” المقدس (حسب كتاب ألف بن سيرا) نتج عن سائل منويّ مُهدر، رغم إدانة النص للاستمناء! وهكذا، قد يكون “المنيّ الضائع” قادرًا على خلق المعجزات. بل يفتخر الكتاب المقدس بأن موسى، رغم موته بعمر 120 عامًا، “لم يخسر طراوته” (تثنية 34:7)، أي ظلّت قواه الجنسية سليمة!
اترك تعليقاً