قصة قصيرة للكاتب : إبراهيم جعفر مكرم
تم الجمع والإختيار للنصوص بتاريخ 27 سبتمبر 2023م
اختيار وتقديم مأمون الجاك
خرجَ زوجي منذ أربع ساعات لجلب المؤن ولم يرجع. إلا أنني لستُ قلقة عليه، فهو بلا شك قد اختار الطريق الشاق لتجاوز منطقة الاشتباك العسكرية، وفَاصَلَ تجار الأزمات للحصول على سعر أفضل، وذلك تطلب -إن وضعنا في الاعتبار عرج ساقه وتأتأته- ساعة كاملة. ولأنني أوصيته بغلظة، وحسنٌ أني فعلت، أن يختبئ داخل أقرب ملجأ فور سماعه دوي المدفعية، والتي بدأت باكراً اليوم واستمرت ثلاثين دقيقة.. فذا يجعل الزمن حتى الآن ساعة ونصف.
لكنني أعرف حقيقة زوجي، وأعرف أنه لم يستطع كبح رغباته وقصد كشك التبغ في الجانب الآخر من الحي.. يا لرعونة الرجال عندما يخاطرون بحياتهم لأجل “سفة”… وليت الأمر اقتصر على هذا، فأنا متأكدة أنه جلس وتجادل مع أصدقائه لينفس عن ذاته -لعلّي بالغتُ قليلاً البارحة في تكدير الجو- واستفسر عن أخبار السرقات والوفيات، وأحصوا شادين أزر بعضهم البعض عدد الذين ما يزالون مرابطين في بيوتهم.. وإن افترضنا أنه تناول كوب شاي، فتلك ساعة ثانية ضاعت في التسويف.
ربما عليّ منذ هذه اللحظة أن أُبلّد مشاعري، فَبَعْلِي ونصيبي التعس من الدنيا -والحمد لله على النعمة- حين عودته المنشودة سيحكي تفاصيل ما قام به من بطولة، مُهولاً القصة، ثوم وبهار من الإنجازات، وسيتوجب على المسكينة التطبيل والاندهاش لجراءته -هذا إن أردتُ أن أحافظ على ما بقي من شعرة معاوية.
لكنه سيتعمد إغفال تفصيلة رئيسية مهمة، من باب الخشية أولاً، ثم لأن المداراة تضاعف لديه التمتمة.. ولن يطلعني على ما دار بينه وبين جارتنا “المفعوصة”… إنها ليست غيرة، لا تخطؤوا الظن، فالبائسة تترصده منذ أن خرجت من عدة طلاقها، معتقدة أن تحت القبة فكي، وأنا -مهما سرت الإشاعات- أغض الطرف، فما جدوى التضحية معه إن انهدمت الثقة… إذن، لنضف عشر دقائق من السلام والسؤال عن الحال، وعشر دقائق أخرى لأنها اِلتمسته إحضار الخبز، وعشر دقائق إضافية لأن الغبي حين ودعها وتغنجت له رفض أخذ المال… وأراهن أن وضعهما المخل لم يتعدَ ذاك، فكيف يتجرأ وهو يعلم أنني سأقتله.
إن زوجي لم يسبق له التعطل أبعد من هذا الحد، مهما بلغ به الإهمال، بيد أنه لا ضير من بعض التشاؤم وتصور تفسيرات محتملة، لسد فارق الوقت؛ فمن الوارد أن دورية تفتيش اشتبهت به -فهيئته أصلاً مثيرة للريبة ولا أدري كيف تزوجته- فأوقفوه وفحصوا محتويات ما يحمل، ولأن الأحمق نسي بطاقة الهوية، فقد حققوا معه واتهموه بأنه ضابط مخابرات، وضربوه بسياطهم على ظهره -يا زوجي المسكين- موجهين أسلحتهم تجاه رأسه، ثم أطلقوا النار -متيقنة أنني سمعت الصدى- من فوقه، لا ليقتلوه وإنما كي يضحكوا عليه وهو يولول ويعرج.
لكنهم لم يعتقلوه، كلا، بل اكتفوا -في أسوأ الفروض- بمصادرة كل شيء منه، حتى الملابس، ثم مثخناً بالجراح رموه ككلب عند نهاية الشارع.. فداه روحي وعمري. وها هو زوجي العزيز، قرة عيني وحشاي، يتسحب منكسراً وعارياً، تمنعه الخيلاء من الدخول إلى البيت، وإلا، فما الذي يؤخره!
اترك تعليقاً