حكاية (نصيرة بنت الجبل) واحدة من قصص الفلكلور الشعبي بمنطقة الشايقية بشمال السودان ومرتبطة بمنطقة “جبل البركل” تحديداً، تناولتها الجدّات “الحبوبات” جيلاً بعد جيل وبالطبع مع الإضافات التي لا تخلو منها القصص المنقولة عبر الروايات الشفهية لفترات طويلة.
ملخص القصة بإصطحاب كل العناصر الرئيسية التي حوتها الروايات المختلفة هو أن “نصيرة” امرأة تهبط من جبل البركل -في سنة مجاعة- تجاه السهل بالقرب من النيل للبحث عن قوت لأبنائها، حيث تعرض على السكان أن تستبدلهم الذهب الذي تملكه بحفنة دقيق، وأثناء بحثها تقع في قبضة مزارع يفتتن بجمالها ويعرض عليها الزواج فتوافق نصيرة وتعيش معه في السهل، ثم تتذكر أولادها وتقترح على الرجل الذهاب للجبل لكن الرجل يرفض، فتقرر الهرب لوحدها عائدة إلى هناك وتغلق عليها الجبل وتموت هي وابناؤها.
نصيرة بنت ملوك الجبل
وتسمى أيضاً (نصيرة بت ملوك فوق ) كما تروي المحكيات وهي واحدة من بنات الملوك كانت تظهر في زمن المجاعة، وكانت تمتلك الكثير من الكنوز ،تقول الحكاية إن مُزارعاً من حلة البركل، لاحظ أن محصوله من القمح يُسرق، فإنتظر يوماً ليقبض على من يسرق قمحه. فوجد أنها فتاة تتسلل من مأواها داخل الجبل لتختلس بعض العيش. فراعه جمالها وأصر على الزواج منها، كانت فتاة سمراء وقصيرة وجميلة. وأسلمت نصيرة وانصرفت للعناية بضريح ود الكرسني.
في مرة قالت لها النسوة: هل سر خدمتك لضريح الكرسني، هو ليحميك من أهلك.؟
– قالت لهم: ويكا ويكا ويكا. الناس ما فهمت كلامها. كلام عجم واحد. لكنها أول مرة يسمع الناس منها الكلام العجمي. وسألهوها يا نصيرة ست الجبل مالك؟
قالت لهم: إنتو شيخ ود الكرسني وكت داير تدفنو فوق من الجبل حصل شنو؟
–طار بعنقريبو وحلق فوقنا حلق وحلق وحلق وبالراحة نزل في محل مدفون دا. الجبل ذاتو اسع بنقولو جبل ود الكرسني ، وقالت نصيرة للناس أها وما سمعتو التهاليل
الناس: لم نسمع شيء. حفرنا القبر ودفناه.
–أها ديل نحنا ناس الجبل ناديناهو يسكن جوارنا.
في يوم من الأيام حينما كانت عاملات الحقل يجمعن القمح، أبصروا نصيرة وهي تلقط فتات القمح. اندهشوا من فعلها. فزوجها رجل غني وقمحه يملأ المطامير وهي تلقط في كسار القمح.
” نصيرة إلا جنت “. وعندما أخبروا زوجها جاءها في غضب ثم قال:
–يا نصيرة لا تفضحينا وسط القبيلة. القموح والعيوش في بطن البيت لا حد لا عد تجي تسوي سواتك دي. إنت ما نصيحة. مالك.
نظرت إليه في عينيه مطولاً، وكانت نظرتها بحزن وإنكسار، لم تنطق سوى:
- لنصلي العشا بالقرب من جبل البركل.!
إتشغل الرجل بكلام نصيرة، وكان يفكر فيها كثيراً، وعند فراغه من أداء الصلاة أبصرها وكانت تتوهج من الجمال.
–أها أرح.
وأخرجت مبخر عليهو جمر ورمت فيه أعواد بخور ذات رائحة ذكية ضربت المكان. يا ها الريحة الشماها الراجل أول مرة. الدخان ملأ المكان وتلوى في الجو حتى وصل أعلى الجبل . وسُمعت أصوات عالية وظهر باب في الجبل لم يكن موجوداً ففتح وكان صوت المفاتيح واضحاً كرك كرك كرك
عندما دخل زوجها لداخل الجبل، كادت أن تعمى عيونه بسبب لمعان الذهب، الذي وجد هناك متراكماً كالتلال، مجوهرات تلمع، ذهب في كل مكان، وفجأة ظهر كلب كبير ضخم نباحهه عالٍ، وصار ينبح حتى إن زوجها قد إنتابه الخوف، وكان الكلب هو حارس الذهب، وقتها قالت نصيرة للكلب:
تأدب يا جرقاس، دا ضيف.
حينها تراجع الكلب وأرخى زيله وإختفى بين الممرات، لكن مالم يتوقعه الرجل هو ظهور أفعى ضخمة لها فحيح عالٍ، كانت طويلة وكأنه ليس لها بداية أو نهاية، وقتها إرتعب زوجها، ولم يعرف إلى أين يذهب، لكنها قالت للأفعي:
–كرنداش هش هاش.
فتراجعت الأفعى وتوقفت عن الفحيح ودخلت في فتحة الكهف وعادت من حيث أتت.
قالت نصيرة لزوجها، إن هذا الأفعى أعجمي، وهو موكل بحراسة الذهب.
كان المكان ملئ بالذهب، أحجار من الذهب، ثيران من الذهب، أطفال صغار مصنوعين من الذهب، أشجار نخيل من الذهب، والجدران عليها طوب من الذهب، تماثيل لبشر ونساء عاريات من الذهب، حتى القطط التي هناك من الذهب.
وعند باب الخروج، أخرجت نصيرة المبخر ورمت فيه عود بخور، وحينها أصدر الباب صوت صرير عالي وإنفتح، عند الباب قالت نصيرة لزوجها:
– فتات القمح الذي كنت أصره في طرف ثوبي، كان خوفاً من أن يصيبنا ما حل بأهلي، أنظر إليهم وهم راقدين وحولهم الذهب:
– ” لو كِلنا الكيل بالكيل ما متنا بالميل” لو وجدنا قيراط الذهب بقيراط القمح لما هلك أهلي.
عند الباب الخارجي لجبل البركل، أمسك زوجها بيدها ليذهبا البيت، قالت له:
-سأرجع للجبل، لقد إتفقنا أنه إذا أحزنتني يوماً ما، سيكون فراقنا، وإلتفت ناحية الباب وعندما دخلت نفخت في المبخر، فإنغلق عليها الباب ثم تقدمت بضع خطوات ورقدت بجوار أهلها وتحولت لتمثال ذهب.

قراءات تتجه شرقاً:
في رواية ماكمايكل التي تفسر إختفاء العنج وهي شعوب ظهرت بعد الغزو الإكسومي وإنتهت مع الحلف الفونجي “تقول الروايات في الحرازة أن أبا قنعان عاشوا في أيام الأنبياء أي قبل الاسلام وكانوا شعباً ثرياً وملحداً وقد جمعوا ثروة طائلة ، ولكن أصابتهم مجاعة خطيرة وكان سعر القمح وزنه بالذهب، وفي النهاية هلكوا جميعاً وذهب ريحهم.”
تتوارد الى الذهن قصة (الكيل بالكيل) في روايات مشابهة أخرى عن العنج والتي يُرجح أنهم غرباء كما يرد في اللغة النوبية – الدنقلاوية إستوطنوا المنطقة وكانوا مستبدين، تحولو في حرفتهم من الزراعة الى التعدين، وربما كان هذا سبب المجاعة التي أهلكتهم، وهذا سر إمتلاكهم الذهب، ولفظ نصيرة يشابه تعريباً لكلمة من التقرينية وهي (نزيرا) ويُرجح إنها إسم لبحيرة في أثيوبيا، فقد روت المرويات الشفاهية إنها كانت ذات لسان أعجمي.

*الصورة في أعلى المقال لفتاة من النوبة.
اترك تعليقاً