أسطورة تراب الهين

إسطورة “تراب الهين” وشبكة الدم الذي لا ينقطع


تُشكل إسطورة “تراب الهين” – التي تُشير إلى كثرة القبائل الجهنية في غرب السودان وتشابُكها كحبات الرمل التي لا تُحصى – النموذجَ الأعمق لفهم التماسك الاجتماعي في المنطقة. ففي دارفور وكردفان، حيث تتناثر القبائل العربية، مرتبطة بنظامٌ ثقافي معقد يربط بين الحوازمة والمسيرية الزرق والحمر والرزيقات والبني هلبة والهبانية والتعايشة والسلامات وأولاد راشد والبني حسين… وغيرهم، في نسيجٍ واحدٍ تُحافظ خيوطه على تماسكها رغم رياح التفرق.

مِن “الجد الواحد” إلى الكثرة “تراب الهين”

الساير عطيه والمقيم حيماد والدخان البتلتل داك راشد الولاد

الرزيقات من القبائل الجهينية فهم والمسيرية والحوازمة اولاد رحال بن عطية بن راشد بن الشيخ الجنيد بن احمد بن بابكر ابن العباس. وهم ابناء عم الهبانية,التعايشة,بني هلبة,,معالية اولاد اخية حازم بن حماد بن راشد بن الشيخ الجنيد والكل ينتسبون الى جهينة و واسم جهينة مأخوذ من الجهن وهو غلظ الوجه. ويقال ان للشيخ الجنيد خمسة ابناء وبنت واحدة نزح من ابناؤه الى شمال افريقيا تحديد ليبيا ومصر والسودان وتوزعوا فى المنطقة التى تضم جنوب ليبيا وصعيد مصر وغرب السودان وكدلك في المغرب, موروتانيا, الجزائر, تشاد وتونس ، لذلك تجد امتدادات لمعظم هذه القبائل فى البلدان الثلاث اضافة الى تشاد وبعض دول شمال ووسط أفريقيا.

قال عنهم الاستاذ / موسى المبارك الحسن في كتابه (تاريخ دارفور السياسي) الرزيقات أغنى قبائل البقارة وأكثرها عدداً وأقواها مركزاً بدارفور وقال عنهم الاستاذ الفحل الفكي الطاهر في كتابه (تاريخ واصول العرب في السودان ) ان الرزيقات قبيلة ذات منعه وقوة ولكثرة عدد رجالها يسميهم اعراب البقارة عموماً (عيال رزيق هين التراب ) والهين هو ملئ راحتي الكف من ذرات التراب وذلك كناية عن كثرتهم . ثم قال الفحل ان قوة الرزيقات ظهرت في انهم لما قاموا وهبوا هبة رجل واحد

إذاً تنحدر هذه القبائل – بحسب الروايات الشفهية – من سلفٍ مشترك، لكنها مع الزمن تشعبت إلى فروعٍ كبرى تحوَّل كل منها إلى قبيلة مستقلة، ثم انقسمت بدورها إلى بطونٍ وعشائر. فقبيلة “الرزيقات” وحدها – التي يُطلق عليها لقب “تراب الهين” لِكَثرة أفخاذها – تتفرع إلى المحاميد والماهرية والعطيفات والعريقات وغيرها، كل فرعٍ يحمل اسمًا جديدًا لكنه يحتفظ بذاكرة الدم الواحد. هذا التشظِّي ليس ضعفًا، بل هو قوةٌ تتيح للقبيلة التمدد جغرافيًا وثقافيًا مع الحفاظ على جذورها. فـ”الهين” لغوياً يرادف ما لا يمكن احصاؤه وتعني أن التفرق لا يُلغي الانتماء، بل يجعله أشبه بشجرةٍ تتعدد أغصانها لكنها تشرب من سلف مشترك.

تُختَزَل علاقات هذه القبائل في واحدة من الثنائيات المجحفة “الأبالة” (الرعاة) و”البقارة” (المُنتجون)، لكنها ثنائية قائمة على تكاملٍ ثقافي واقتصادي، لا على تنافس. فثقافة الشجاعة والكرم وحماية الأرض المشتركة تجعل المجموعات المختلفة تتوحد في عقدٌ اجتماعي قبلي غير مكتوب تجسَّد عبر التاريخ في مواقف مثل حرب “البطحا” الأسطورية ضد “الخزام”، التي تُروى في قصائدهم الشفهية كرمزٍ لوَحدة المصير. فحين هدد الخزام وجودهم بتحدٍّ ساخر:

“كِرْكُور الغنم ما بْقَابِل جَبِين الدود”- (أي تعني أن جنود العدو “أغنامه” لا تستطيع مواجهة فرسانهم وجيشهم الذي يشابه جبين الأسد “الدود”. وهي من لوازم الفخر والإعتداد في موقف القوة، ذلك بالسخرية من العدو) ، وهو يعني أيضاً:  لا تُواجه القبيلة خطرًا وحدها أبدًا.

الدم لا يُغسَل بالماء: مِن “الساير عطية” إلى “المقيم حيماد

تتوارث الأجيال حكايات مثل “الساير عطية” و”المقيم حيماد” و”النقارة ديك راشد الولاد”، التي تُعيد صياغة التاريخ كسرديةٍ عن التضامن. ففي هذه الحكايات، لا يُحتفى بالأبطال الأفراد، بل بالقبيلة ككيانٍ جماعي. حتى العنف – الذي يبدو للغرباء مُجرد صراعٍ دموي – هو في العمق لغةٌ لحفظ التوازنات: فالحرب عندهم ليست غاية، بل وسيلة لِردع “الآخر” الذي قد يجرؤ على مسّ هيبة القبيلة أو وجودها. لهذا، حين يُنشدون:

نحن أبناء الهين.. مَن يمس حبة ترابٍ مِن أرضنا.. يدفع ثمنها كل التراب، فإنهم يُعيدون إنتاج الوحدة كخطابٍ وجودي، وليس كتحالفٍ ظرفي.

كما أنهم دائمو الفخر   بمنطقتهم    المسمّاة  ( سبدو ) القريبة من الضعين, حيث  إنها   كانت  أول   وآخر  منطقة  فى السودان   يزورها   الرئيس   المصرى   الراحل / جما ل  عبد  الناصر بعد زيارته  للخرطوم  , وقد   صنعوا  لاستقباله   نهر  – رمزى – من اللبن  الصافي   ونهر  آخر من  العسل   الطبيعي  وخرجوا   لملاقاته   على    ظهور  عشرات  الآلاف   من  الخيول ,  حتى  أن   طائرته   لم  تجد   مكانا    تحط    عليه   رحالها   فاستدارت  راجعة  وهو  يدق   يدا   بيد من  عجب  ما  رأى   بأم  عينيه .


3 ردود على “أسطورة تراب الهين”
  1. الصورة الرمزية لـ Hymad
    Hymad

    كركور الغنم مابقابل جبين الحدود..لاتعني الكلام الذي كتبته..
    قليل من الاجتهاد يجعل شكل الحياة جميلا…
    ماتكتب بكسل

    1. الصورة الرمزية لـ المُحرر

      حاضر بإذن الله … شكراً جزيلاً لتنبيهك/ تم تعديل المقال

  2. الصورة الرمزية لـ ادم يس
    ادم يس

    تسلم علي التوثيق … بالتوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *