أسطورة الحراز والمطر

إحسان الله عثمان

“حكاية شجرة تخاصم المطر ولا تزهر في الخريف”

كانت شجرة الحرازة و “المطرة” اصدقاء..ذات عام ارادت شجرة الحراز الاحتفال بختان أبنائها و بدأت في إرسال الدعوات للجميع عدا صديقتها “المطرة” لأن مجيئها من شأنه أن يخرّب ترتيبات الحفل الذي سيُقام في أرض الغابة.. تكفل الوشاة وأصحاب النميمة بإيصال الخبر إلى “المطرة” وحاولوا إيغار صدرها على صديقتها الحرازة.. لم تصدّق “المطرة” في بادئ الأمر ما قيل حول عدم دعوتها من قبل صديقتها الحرازة.. وأقرّت في نفسها عدم الغضب بل حاولت إيجاد عذر لها ومفاجأتها في اليوم الموعود بحضور لم يسبق له مثيل. وفي يوم الاحتفال وبينما الجميع مبتهج وفي قمة السعادة فاجأت “المطرة” الجميع ولم تكتفي فقط بذلك بل أحضرت معها أيضًا أبناءها الثلاثة: البرق والرعد والرياح.. فعمّ الخراب والوحل والطين مكان الحفل، فغضبت الحرازة من “المطرة” غضبًا شديدًا و قاطعت “المطرة”.. ومنذ ذلك اليوم قررت الحرازة ألا تخضّر أبدا إبّان فترة الخريف وهطول الأمطار؛ رغم إخضرار كل ما حولها من أشجار…

وفي رواية أخرى للاسطورة بأن هناك ثلاثا من أشجار الحراز كانت تعيش متقاربة منذ زمن و تخضر خريفا كباقي الأشجار وتمثلت للقرويين كأم وأب وابنهما.. وفى أحد المواسم كان المطر غزيرا يتخلله رعد وبرق وصواعق .. ومع المطر المنهمر انطلقت صاعقة فضربت الحرازة الابن وأحرقتها تماما من الأوراق والتهمت الجذع والفروع والغصون والثمار ومن هنا غضب شجر الحراز على مقتل ابنهم فقررت جميع أشجار الحراز أن تعلن الحداد؛ لا تخضر و تسقط اوراقها في مواسم المطر…

استلهم السودانيون ظاهرة شجرة الحراز في حياتهم الاجتماعية وعلاقاتهم في وصف الشدة و المبالغة في الخصام (بيني وبين فلان زي الحراز و المطر)..

بالاشارة الى التعامل مع المنطق المغاير.. و اللامعقول في كثير من الأشياء.. بالحكم على المظاهر.. ربما ان للحرازة سببها الذي يجعلها تتخذ هذا الموقف من المطر..

الأساطير والحكايا.. حاملة قيم الشعوب وتراثها

الحكايا الشعبية و الأسطورة في الموروث الثقافي السوداني عبقرية جماعية وذاكرة خصبة نوع من السرد مجهول المصدر و إبداع قصصي يهدف إلى تفسير الظواهر الطبيعية والأحداث والسلوكيات الإنسانية وتتسم بأنّها ذات طابع تعليمي وأخلاقي في قالب أدبي تستخدم فيه تقنية الرمز و التخييل لمعالجة فكرة ما في قالب حكائي ميثولوجي؛ وأدنى صورها تفسير الظواهر الطبيعية كالأمطار والرياح تفسيرًا ميتافيزيقيًا أسطوريا، أما أسمى صورها فتلك المتعلقة بتفسير السلوك الإنساني وطبيعة النفس البشرية وتجارب المجتمعات، وتعتبر بانها البدايات الأولى لفن الحكايا الشعبية والتي أولدت بدورها فن القصة والرواية.

ويتم تداولها شفاهة بين الأجيال ولا تُشير إلى زمنٍ مُحددٍ بل إلى حقيقة أزليَّة وهي ذات موضوعات شمولية محورها الآلهة و الظواهر الكونية و الانسان .. نتاج خيالٍ خصب، يعبر عن تأملات الإنسان القديم وترتبط وتتشابك مع معتقداته وطقوسه و تكتنز مخاوفه وهواجسه وتعبّر عن آماله وتطلعاته.

وينقسم السرد الشعبي إلى ثلاثة أقسام: الحكايات والخرافات والأساطير، وقد يُمَيَّز بينها بطبيعة أبطالها، فشخوص الحكاية الشعبية عاديون في نظر المجتمع؛ لأنهم يعيشون معه؛ سواء كانوا حيوانات أو بشراً أو شخوصاً مجرَّدة..

وتأتي أهمية الاسطورة و الحكاية الشعبية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الموروث الشعبي وذاكرة للوعي الانساني واللاوعي عبر الازمنة التاريخية، حيث تظل السجل الأمثل للفكر البشري في مراحله الابتدائية التكوينية عندما كان يحاول تفسير الوجود و قراءة الواقع الاجتماعي، وتبقى ثقافة أجيال متعاقبة وموروث شعبي قادر على الانتقال عبر الزمان والمكان ومرجعًا ثقافيًّا للنصوص التراثية ذات المعنى الأسطوري المستخدم في فهم الحياة اليومية

تذخر ثقافتنا السودانية بالعديد من الخرافات و الاساطير “الميثولوجيا’ الغنيّة بالحكمة والمعالجة و القيم والبطولات و الحب و الجمال و مرجعًا أساسيّاً يسلط الضوء على حقب طويلة من تاريخ السودان وإنسانه..

Abu Dhabi, September 2024

مصادر:

1- وحي الحكايات الشعبية – https://www.alroeya.com/119-87/2143861

2- الحراز والمطر – محمد على العوض- صحيفة الرؤية العمانية – https://alroya.om/p/212572

3-الحراز السودانية.. حكاية شجرة تخاصم المطر ولا تزهر في الخريف – محمد الطيب https://al-ain.com/article/sudan-tree-autumn-rain

4-التراث الثقافي السوداني ماضٍ عريق وحاضرٌ متجدد مركز الدراسات السودانية – د. امل سليمان بادي https://ssc-sudan.org/authors


رد واحد على “أسطورة الحراز والمطر”
  1. الصورة الرمزية لـ احسان الله عثمان
    احسان الله عثمان

    جميل..❤️❤️❤️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *