يعود أقدم ذكر موثق لاسم السودان إلى حوالي القرن السابع والعشرين قبل الميلاد، حيث ورد في حجر باليرمو الذي يؤرخ لحوليات الملك الكمتي (سنفرو) أول ملوك الأسرة الرابعة الكمتية، باسم “تانحسو”. كما ذُكر الاسم في نقوش أخرى تعود إلى ملوك كوشيين، وفي نقوش ديموطيقية من جزيرة فيلة بأسوان.
يشير اسم “نحسو” لغويًا إلى “المغمغمون بتعاويذ” أو “السحرة”، مما يجعل “تانحسو” تعني “أرض السحرة”. ومع ذلك، يجب التنويه إلى أن هذا لا يعني أن جميع سكان السودان قديمًا كانوا يمارسون السحر. فالكوشيون، بحسب علم المصريات، كانوا من أتقى الشعوب في العالم القديم، ويركزون على الروحانيات لا السحر بمعناه الممارس لجلب الشر، إلا أن ذلك لا ينفي وجود ممارسات سحرية في السودان قديمًا وحديثًا. ويبدو أن هؤلاء السحرة كانوا يتمتعون بمكانة مرموقة وهيبة كبيرة لدى الكمتيين، ما دفعهم إلى وصف المنطقة بهذا الاسم.
تأتي كلمة “سحار” بصيغ متعددة في اللغة العربية، تحمل معاني المبالغة في السحر، أو العالم الكامل به. وقد وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ}.
إلا أن “السحار” في المخيلة الشعبية السودانية يتخذ معنى آخر أكثر تحديدًا، فهو ليس مجرد ساحر، بل كائن يتحول شكله من هيئة بشرية إلى مخلوق قبيح ذي ذيل يخفيه، يخرج ليلاً من النيل أو المقابر، يعيش بين الناس في هيئة بشرية عادية – قد يتحول إما لشكل برمائي بقشور وزيل أو شخص يخرج من المقابر مرتدياً كفنه – يأتي ليأخذ مقتنياته الخاصة، ويُقال إنه يأكل الأطفال الصغار. ومن العلامات التي يُزعم أنها تكشف هويته أنه لا يشرب اللبن مطلقًا. ويُشابه هذا ما ذكره محمد بن عمر التونسي في كتابه “تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان” عن بشر ينقلبون أسودًا ليلاً ويعودون رجالاً في الصباح، ففي تجواله وصي الا يقتلوا أسودا تقابلهم في الطريق فهم بشر ينقلبوا ليلا و يعودوا رجالا في الصباح)
تتعدد التفسيرات لأصل أسطورة السحاحير، فمنها ما يرى أنها كانت وسيلة يستخدمها المزارعون لطرد الغرباء عن أراضيهم، أو لإخافة من يحاول الاعتداء عليهم من البدو أو القبائل المجاورة. ويُعزز هذا التفسير وجود مصطلح كوشي قديم آخر هو “البع”- Ba أو “البعاتي”، هو طائر برأس إنسان يخرج من قبر الميت بعد دفنه، وهو ما يتشابه مع صورة السحار في المخيلة الشعبية.
كما نجد أن قرية ناوا بشمال السودان يُقال إنها كانت مصدر سحرة فرعون، ويُلاحظ هنا استخدام نفس المصطلح القرآني “سحار” كمرادف لساحر لوصف أهل ناوا. وقد ذكرت بعض الروايات أن سكان ناوا، أو “الدقر” كما كانوا يُعرفون، كانوا يتميزون بقدرات خارقة، ويُعرفون بـ”السحاحير” الذين يفتكون بالناس وأنهم سباحين ماهرين.
كما نجد أن هناك ذكر ل مخلوقات شرسة أخرى تعيش في حقول الذرة في ديار النوبة اسم الواحد منها سرنق جَدِّي، وسرنق هي الأنف وجد/ جدي تعني يرضع / يشفط، يعني كانت تلك الكائنات تمسك بمن يشق حقول الذرة وتشفط محتويات رأسه عبر أنفه الى ان يموت بسبب فقده لمُخِّه، هذا طبعا غير الجن الذين كانوا يقيمون حفلات راقصة في مواقع كثيرة ولطالما ما انجذب بشر كثيرون لتلك الحفلات ثم فروا بجلودهم بعد ان انتبهوا الى أن ارجل الراقصين في واقع الأمر حوافر حمير.
قصص من التراث الشعبي
- قصة الزوجة المتحولة: تروي قصة امرأة كانت تخرج ليلاً وتتحول إلى هيئة مخيفة، وتشارك في طقوس غريبة مع نساء أخريات، ذات مرة قتلن حماراً و كن يقلن لها : أكسري رقبته، وعندما رجعت للبيت أخبرت زوجها بأنها عطشانة وأن يحضر لها الماء لأنها كانت خائفة من صوت طقطة الماء من الزير على الأرض، لكن زوجها كان قد تتبعها وكشفها – فأجابها تخافين من (“طوقو طوقو”) أكثر من طقطقة رقبة الحمار المسكين التي كسرتها ؟!
- قصة ابنة السحار: القصة من قرية الضانقيل بولاية نهر النيل :” أن بنتاً تزوجت سحاراً فتحولت مثله، و لما جاءت امها لتولدها شاهدت ما لم تكن تتوقعه من بنتها فمثلا عندما تعوس تَطُظ ( تهِبْ) النار اي تنفخها لتولع بضنبها فتحركه، حينها تقول مستغربة: ” آ آ آه” و تسمعها بنتها، و عندما ولدت بنتها
- و أتمت الأربعين يوم و ارادت امها الرجوع لأهلها ركبت المركب لتقطع للبر التاني و في وسط البحر قالت لها بنتها:” امي مالك كنتي بتقولي :”آ آ آه”.
- ردت امها:” غايظني عيبك و طَظْ النار بِضنِيبك” .
- و اتوجعت البنت من كلام امها فأصبحت تبرج اي تترس
- ( حركة قلقة جيئة و ذهابا في حيز محدد أثناء تفكير
- و قلق شخص ما)، فكانت تترس بين حجرتها و طرف البحر و تقول :” و آ شحمي و آ لحمي الما أكلته امي”. ” اكيد امها ستفضح أمرها.
المصادر:
- المعجم الغني.
- معجم اللغة العربية المعاصر.
- معجم الرائد.
- كتاب “تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان” لمحمد بن عمر التونسي.
- مقالات صحفية ومواقع إلكترونية سودانية (مذكورة في البحث الأصلي).
اترك تعليقاً