أرضُ الأَبديّة 

·

·

,

 الكاتب : باسل محمد


في العام 1897 كان حُكم التعايشي يلفظ أخر مظالمه في سماء البلاد بعد 12 عامًا من القهر والمساوئ، وفي نفس تلك الفترة كان الألماني نيتشه يفرز بعض الأفكار الثورية؛ إذ تحدث الرجل عن مفهوم العَود الأبدي، وأن كل الأحداث في التاريخ أجمع تتكرر وستواصل في التكرار.

لم يكن الناس في المتمة يعلمون ماذا تعني هذه النظرية، في الحقيقة، هم لم يسمعوا عنها قط، فقد كانت تشغلهم أشياءٌ أخرى أشد أهمية، مثل محاولة أن يمارسوا الحياة نفسها عوضاً عن التفكير عن عودتها في أزمنة أخرى، كانوا يترقبون رد فعل التعايشي على خلافه مع عبد الله ود سعد، ولم تتأخر مخاوفهم في التحقق؛ إذ أرسل لهم الخليفة أحد جنرالاته، محمود ود أحمد، ليغزو المتمة.

عرفت النساء أن القوات التي اجتاحت المدينة قوامها أكثر من 10 ألف رجل، وأن رجالهن لا يتعدون 2 ألف فقط، فهرعن إلى ضفاف النيل الذي يدعى في ذلك الوقت من السنة بالدميرة، وهي كلمة نوبية تعني الفيضان، وتعني أيضاً أن أكثر من 100 امرأة ربطن أجسادهن بصخور ثقيلة وسقطن في النيل، حيث فضلن أفواه التماسيح على أياد الرجال المسعورة، فيما اهتزت القوارب الخشبية التي تحمل بقية النساء وصولًا لأم درمان.

في يومنا هذا، بعد 126 عامًا على تلك الحادثة، يقول الناس أن هنالك العديد من النساء في قرية السريحة على ضفاف النيل الأزرق، القين بأنفسهن في النيل هربًا من جنرالٍ آخر أرسل رجاله لينتقم من رجل ما.

في العام 2024، بعد ما يقارب 124 عامًا على وفاة نيتشه، كل العالم رفض العَود الأبدي..إلا السودان..


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *