للكاتب : حسين محمد خاطر
ماتتْ المدائن حزنًا
إزاء المآتم وصيوانات البكاء
قبل ذلك دخنتْ ما يبلغ من الحزن
السودان
ونفثتْ أرواحٌ في بواكير النشأة
بما يشبه دخانًا برائحةِ المسكِ
وبلونِ الدمِ
وقبلها تبللتْ ضحكات الأطفال
بالخوفِ
وبالموتِ
غير معنيين باللعبِ تحت المطر
ولا ب”شليل” في ضوءِ القمر
تهالكوا تباعًا في معسكراتِ النزوحِ
بالجوعِ والمرضِ
ولم يتبقى في مدارس الإيواء
سوى أعينٌ فاترةٌ
امتهنتْ الصبر وسيلةً للعيش
وبأيدٍ مبتورة الأصابع
تلملم حقها في العيش
وأحلامها
إذا أمسكوا حلم الخبز
ضاع منهم حلم الماء
إذا أمسكوا حلم الحياة
مات الحلم برصاصةٍ وقذيفة أيتها الحرب
“لمن تُقرع الأجراس؟”
شهدنا الرصاص يخترقنا
الحالمين مِنّا مرروا الضوء من الثقوب
والصاحين خرجوا من تلك الثقوب
إلى الله مصابين بلعنةِ السؤالِ
والدمُ يتقاطر إلى السماواتِ
وخِلسةً من نعاسِ التوابيت
صعدتْ أرواحٌ تنضحُ بالحزنِ
كما النحل يلتمسون رحيق وردةٍ يابسة
ورأى الذين أنقذتهم رحمة الرائش
السماوات تغرق واحدة تلو الأخرى
بأرواحٍ سمراوية اللون
طيبة القلوب، بريئة المحيا
ورأوا وفق نبوءة البصيرة
عزرائيل جالسٌ هناك فوق الجبل
يغني “لا مكان لك الآن، الله يسكن بالأماكن كلها” وقبلها
طارتْ العصافير دون أجنحة
وصدور الكل تعلو وتهبط
خوفًا…… خوفًا…….خوفًا
لهول المشهد الآتي
وفُقأت أعين المدائن جهارًا
الآن لا شيء سوى الظلام
وشروخٌ متخثرة في جسد الحياة وحكايةُ طفلٌ اغبش الوجه والرجلين
متسخ الثياب يأسسُ لحلمه
وهو يجتاز الإطار بوعيٍ سيؤسس أوطانًا
وحلمَ بحلوى مصاصة
وكان يعلم بأن الوسخ الذي عليه
أنظف من ضمير الجنرال
وككل الحالمين رفع رأسه عاليًا
ونظر إلى السماء الفسيحة
رأى وميضًا يقترب
فتبسم ضاحكًا
وقفز عاليًا ليمسكه
فأمسكوا رفاته
ولم يكن هناك شيئًا في مدرسةِ الإيواءِ
سوى صوت البكاء
ورائحة الدم
وحلمٌ يتلاشى رويدًا رويدًا
اترك تعليقاً