فُرسان كنجرت
وأبو سبيب هو عوض السيد محمد نور ينتمي إلى مجموعة النوراب من الكبابيش والتي عُرفت بمجموعة ( الباعج) وهو وسم يضعه النوراب على إبلهم . وحسب المرويات فإن أبو سبيب هو من أوائل فرسان النوراب الذين عُرفوا فيما بعد بفرسان كنجرت وهي لفظة كما يقول الباحث عبد الله علي إبراهيم في كتابه ( فرسان كنجرت .. ديوان نوراب الكبابيش وعقالاتهم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) أن اللفظة – كنجرت – مأخوذه من عاداتهم في الحرب والمتمثلة في الهروب للوهلة الأولى من وجه خصمهم ثم مجابهته والتصدي له لدى صيحة كنجرت .
أسطورة الرجل الذي لا يأكله الرصاص
ومن جسد الفارس أبي سبيب الشهيد بدأ نسج الأساطير فلم يكن السلاح يخترق جسم أبي سبيب رغم ما خاض من معارك ضد أعداء قبيلته في ذلك الزمن ولم يكن ذلك عائدا إلى عامل خارجي كالكجور أو الحجبات أو السحر ولكنها لطبيعة في الفارس والذي لجأ قاتله إلى وسيله أخرى لكي يقضي عليه وهي أن أخرج القاتل خاتمه الفضي وعجنه وسدده بالبندقية حتى عندما سقط أبو سبيب صريعا لم تستطع خيل الأعداء الإقتراب من جسده وهو هامد. وقد عبر الأعداء عن ذلك بالقول : ميت أم حي يابنك …. يعني أنك في حياتك تطرد الخيل وتهابك، وفي مماتك تطرد الخيل .!
القائد المجوف – الذي لا قلب له
والأكثر غرابة أنه حينما شق القتلة صدر أبو سبيب ليعلموا سره فوجدوه عصبه ساكت يعني أنه كان مجوفاً وفارغاً ، ولم يكن هناك قلب ليخاف به، على حد قول الرواة وهو إنسان لم يعرف الخوف قط فعن أمه ( درمه) أن حنكه لم يقف عن الرضاعة والصاقعة لها دوي، بمعنى أن البرق والرعد لم يخيفا الطفل ليتوقف عن الرضاعة ويبكي.!
وقد تغالط إخوة أبو سبيب (أولاد عوض السيد) وهم صالح وتنيبور والزين أيهم أشطر وأفرس ولدي هذا الغلاط قالت أمه : أبو سبيب من ولد ما سميت علي ( أي أنها لم تقل البسملة) إتو البرضع فيكم ماسك الشطر كان الكركاعة ( الصاقة) طقت حنكو بقيف واللاوقف واللافك الشطر واللاكدي واللارعرش أبو سبيب كان برضع ما بقيف -منذ أن خلقه الله ما سميت عليه .! والتسمية تقال لتطمين الطفل الخائف.

مقتل أبوسبيب على يد قاتل مأجور
كان مقتل أبو سبيب محزناً لكل قبيلته وعلى رأسهم زعيم القبيلة وقتها الشيخ الساني ود فضل الله وهو إبن عمه وهو من قاد عملية الثأر بنفسه بعد مرور حول على مقتل الفارس وظل كل تلك المدة يتحين فرصة الإنتقام من قاتل الفارس أبو سبيب ويدعي بيشاوي حيث جاء في قول الشاعر :
بيشاوي ( القاتل) أخو أم سلامه
كتل أبو سبيب كرامه
لا دين لا غرامه
وهذا القول فيه إستنكار لعدم الأخذ بتار الفارس أبو سبيب . وكان الشيخ الساني طيلة العام يقاوم ضغوطا رهيبة تدعوه للإنتقام من قتلة الرجل المكنى أبو صالح والمعروف بجبل ألبل ولكنه صبر حتى حانت الفرصة للثأر للفارس والقائدالميداني لقبيلته والذي واجه مؤامرة كبرى للتخلص منه بإيجار بيشاوي القاتل تحت تحالف قبلي أوقع به في جهة ما غرب النيل في منطقة المجر أو الموقع المعروف بأبي سبيب غرب أمدرمان وكان سبب التخلص من الفارس أبو سبيب لشهرته وشجاعته التي حيرت الأصدقاء قبل الأعداء والخصوم ودفاعه المستمر عن ثروة أهله وإبلهم هو من أسباب التآمر على حياته .
سيد ألبل – سيد الإبل
وعرف عن الطامعين أنهم لا يقدمون على التفكير في الثروة من ألبل إلا بعد سؤالهم ما إن كان أبو سبيب قريباً أم بعيداً من ألبل وقيل أن سيدا في قومه وقبيلته كان يمسك بنعم الكبابيش ولا يتركها إلا لقاء شئ منها وقد جاء السيد ذات مرة وأمسك بأحد الكبابيش كقبيض والقبيض هو المحبوس لكي يدله على نعم القبيله وسأل السيد الرهينة ما إن كانت ألبل قريبة أم بعيده فرد عليه الرجل المأسور شعرا يمدح به أبو سبيب بهذه الصفات بدءا من قوله أبو راسا سبيبي وأبو سيفا وأبو شتوا والشتو هو الرمح وقلبه صفاة يعني حجر أتقن الحداد صنعه والتور الهاد هو الذي يقوم بالتعشير وسط القطيع وبعد أن سمع السيد الطامع هذا القول من الرجل الأسير لديه سأله قائلا يا جنى أبو سبيب مع ألبل ؟فرد الأسير كمان أبو سبيب بفارق ألبل ؟ (هل يترك ابوسبيب إبله ؟!) كسؤال إستنكاري وقال إن أبو سبيب مع ألبل (الإبل) ما بديني إياهن يا كتلني . ومن أمثلة إعجاب القبائل الأخرى بشجاعة أبو سبيب وفروسته ما قاله عنه معاك أبو معاطي الشنبلي وما قاله الفوارس من إخوة أبي سبيب وفرسان كنجرت وهذا يدل عليى أن أولاد درمه جميعهم فرسان ولكنهم دون منزلة ابو سبيب ومكانته فهو أولا أرباب وفي ليلة الدعكاب والقتال يفعل فرسه كما يفعل التيتل ( بقر الخلا )أبو متلابا صغير وقد إشتهرت اللقحة من بقر الخلا بأنها تطرد الصائدين من صغيرها ولا تسمح لهم بالإقتراب منه .

جزيوة رسِّف – التماس مع تشاد
كما حفظت أشعار المامونة – الحكَّامة الشهيرة الراحلة آمنة بت ابوريدة بين ما دار بين الكابابيش والثوار يقصد بهم ثوار تشاد أيام الإستعمار الفرنسي وفي عام 1940 تقريبا حيث دارت بينهم وبين رجال من رعاة الكبابيش معركة شهيرة في توسعهم بمنطقة مراعي الجزو في الشمال الغربي عند الحدود السودانية التشادية، ولقد أرَّخ لها الكبابيش “بجزيوة رسِّف” لأن الثوار كان يضربون ويجلدون الكباشي بالسِّياط ويقولون له “رسِّف” اي خُب او “جُك” ولقد إستبسل فيها فرسان الكبابيش بقيادة أبوسبيب حتي شبلن العذاري علي جبهته هلال معزةٍ وفخر من غنا الجراري
“إتحدَّب ود بشير
ود كحلة الوارد البير
قالولو خٌب قال مستحيل“
ولقد ثبت أحد الموالي وأظنه بليلة”ابورقيبة” وقيل عندما أنْهالت عليه سياط ثوار تشاد وكانوا يصيحون فيه:- “رسِّف” “رسِّف” اي خُب وجُك.
فارس عقال الحنيك
وكان أبو سبب قد فتح الباب لقبيلته لكي تتقدم وتلج الصدامات كغيرها من القبائل في ذلك الوقت ولكن ما يميزها أن لديها فارس مثل أبو سبيب وإخوانه من فرسان كنجرت وكانت المجموعات القبلية السودانية جميعها في حركة النزوح والتحرك في ظل دولة المسبعات والفونج ووقع خلال هذه الفتره (عقال الحنيك) الذي إنتظره الكبابيش لكي ينتشروا غربا إلى جبرة الشيخ وكجمر والصافية كما أكد ذلك المؤرخون بروس والتونسي وعبد الله علي إبراهيم وأدى جهد أبو سبيب الخارق لتمكين الكبابيش من الإحتفاظ بثروتهم الحيوانية والنزوح بها إلى موقعهم الحالي في شمال كردفان.
اترك تعليقاً